[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] التدريس المصغر - إسراء حسين * ـ التدريس المصغر :
مازالت أبواب البحث التربوي عن أنجع السبل لتكوين معلم الغد مفتوحة على مصراعيها، ومازالت الإجراءات التعليمية الكفيلة بتقديم تكوين ناجع ومفيد للطالب المعلم تظهر من حين لآخر .
في كثير من الدول، يتساءل التربويون عن نجاعة نظام تكوين المعلمين وعن الإصلاحات التي يجب مباشرتها. هل تبدأ هذه الإصلاحات من ضرورة إعادة تحديد دور المعلم أو من العلاقة بين التكوين النظري والتكوين التطبيقي لمعلم الغد؟ ومن الأسئلة الهامة المطروحة كذلك على الساحة التربوية :
• كيفية تحديد الكفاءات التي تعمل على تكوين معلم الغد .
• كيفية تحديد أهداف التطور والإبداع بالنسبة لمعلمي ذوي الخبرة الكبيرة .
• كيفية تحويل الخبرات المكتسبة في إطار خاص (المخبر ، العمل المشترك .. ) إلى خبرات ميدانية حقيقية داخل الأقسام التعليمية .
للإجابة عن هذه الأسئلة حاول كل من ألان Allen Dwight وريان Ryan Kevin تقديم نموذج للتكوين يتمثل في التدريس المصغر micro-enseignement :
* ـ التدريس المصغر هو إجراء تعليمي في وسط محدود. يستعمل في تكوين المعلمين والقيام ببعض التجارب البيداغوجية ، يحدد وقت الحصة التعليمية ما بين 5 و 10 دقائق، وعدد التلاميذ بخمس، واقتصار الطالب المعلم على توظيف تقنية واحدة من تقنيات التدريس .
تسجل النتائج على جهاز فيديو، ثم يقوم الطالب المعلم بمراجعته وتحليله ومناقشته مع المكوّن .. بعدها ينقح هذا الدرس المصغر La micro- leçon ويعاد ثانية لتجاوز الأخطاء المرتكبة، وهكذا .
شرطان أساسيان لنجاح هذا النظام من التعليم، هما : رغبة الطالب المعلم في تنمية خبراته وتصحيحها نحو الأفضل، وتحديد النموذج الأنسب والأمثل للتقليد والاقتداء .
يكون الطالب المعلم ـ ضمن مجموعة من الطلبة المعلمين ـ تلميذا ، أو معلما أو مشرفا، لأن الهدف الأول للتدريس المصغر هو السماح لهذا الطالب باختبار قدراته البيداغوجية .. والهدف الثاني هو ملاحظة واختبار طلبة آخرين في هذا الإطار، وبالتالي يكوّن الطالب المعلم نظرة تقدير لإمكاناته وتقييم لإمكانات الآخرين، فتتولد عنده الثقة بالنفس والرغبة في التطور والإبداع .
على الرغم من أنّ عشر دقائق من الوقت غير كافية لتدريس موضوع ما. وتدريس الزملاء من المعلمين ـ رغم علمنا بمعارفهم السابقة ـ ليس بالأمر الهين. والوقوف أمام الكاميرا قد يؤثر على آدائنا .. إلا أنّ التدريس المصغر يعتبر وسيلة للطالب للمحاولة والتحليل والمناقشة ومجابهة الصعاب التي تعترض المعلم في مساره التعليمي. يعمل الفريق كحلقة واحدة مترابطة .. إذا قام أحدهم بأداء دور المعلم يقوم الآخرون باستخدام جهاز الفيديو وأداء دور الملاحظين وكذا التلاميذ . ويركز المتدخلون في فترات النقد والمناقشة على المهارات التي وظفها المعلم الطالب وكانت مميزة لسلوكه أثناء التدريس . لذا على الطالب المعلم أن يقدر المهمة ويعمل وفق هذه الخطوات :
ـ أولا : التخطيط والأداء : ويعتبران من أهم العناصر الحيوية لعملية التدريس، يكون التخطيط من خلال تسطير أهداف بيداغوجية (طويلة الأمد) أو أهداف تعليمية (قصيرة الأمد) يعمل المعلم على تحقيقها .
هذا المخطط يوضح عملية التخطيط والعناصر المكونة له :
1. الأهداف البيداغوجية : مهارات، قيم، مفاهيم ..
2. الأهداف التعليمية .
3. الأسلوب وطريقة التدريس . التفكير المنطقي ـ الإنصات ـ التعبير ..
العمل الجماعي ـ التفاني والإخلاص ـ المواطنة.. العقلانية ـ العلمانية ـ الالتزام ..
التعرف على أقسام الجملة ـ مساحة المربع ـ التمييز بين الاستعارة والكناية ..
إلقائية ـ حوارية ...
أما الأداء فيتم بتحليل وتحويل المادة المدرسة إلى مهارات يتحكم فيها الطالب . نكتشف هذه المهارات من خلال إجابات الطالب الشفوية أو الكتابية التي تنم عن استيعاب جيد للدرس .
ـ ثانيا : الملاحظة : وتعتمد على المشاهدة لتوضيح الرؤية في التدريس، وتقوم على سلسلة متصلة تتدرج من البداية النسبية للملاحظة غير المخططة وغير المنظمة إلى النهاية العالية للملاحظة المخططة والمنظمة .
يجلس الملاحظ (المشرف) في نهاية حجرة الدراسة، ويقوم بتسجيل ملاحظاته. هذا التسجيل عادة ما يستخدم في تحليل السمات اللغوية للتدريس، وسلوك المعلم وحركاته .
ـ ثالثا : المتابعة : يجب على المعلم بعد كل درس مصغر أن يسجل آراءه وانطباعاته عن أدائه، وعن مدى استجابة وتتبع التلاميذ لدرسه، وكذلك تقييم الأهداف المحققة .
كل خلل في تعلم التلميذ، أو فشل في تحقيق الأهداف يكون سببه المعلم .. ولا يمكن للطالب أن يتحمل فشلا لم يكن سببا أو طرفا في تحديد الأهداف واختيار طريقة التدريس ..
ـ رابعا : حيوية المعلم : تعتبر حيوية المعلم داخل القسم هامة وضرورية، فالتلميحات والإيحاءات غير اللفظية أو الشكلية من أهم مقومات هذه الحيوية .
إن التلميحات والإيحاءات لغة تحمل معان معينة، يفهمها المتلقي من خلال سلوك مذموم، أو ممدوح قام به داخل القسم .. إن تقطيب الحاجبين أو رفعهما، رفع الصوت أو خفضه، السكوت للحظة، الإقبال على التلميذ بسرعة أو ببطء كلها إيماءات تعني شيئا ما للتلميذ .
* ـ إنّ التدريس المصغر الذي يجد رواجا كبيرا في موطنه الأول كندا، وكثيرا من الدول المتقدمة، لإمكاناتها الكبيرة وتطورها في مجال التربية والتعليم، قد يمتد إلى أوطاننا التي تعاني الأمرين، التخلف والجهل وقلة الإمكانيات التربوية المتاحة للمعلم .مزايا التدريس المصغر وفوائده .
[right]
* ـ مزايا التدريس المصغر وفوائده .
* ـ التدريس المصغر تدريس تطبيقي حقيقي ، لا يختلف كثيراً عن التدريب على التدريس الكامل ؛ حيث يحتوي على جميع عناصر التدريس المعروفة ؛ كالمعلم ، والطلاب أو من يقوم مقامهم ، والمشرف ، والمهارات التعليمية ، والوسائل المعينة ، والتغذية والتعزيز ، والتقويم .
وإذا كانت بعض المواقف فيه مصنوعة ، فإن فيه من المزايا ما لا يوجد في غيره من أنواع التدريس العادية الكاملة ، كالتغذية الراجعة والتعزيز الفوري والنقد الذاتي وتبادل الأدوار ونحو ذلك .
وللتدريس المصغر فوائد ومزايا عديدة ، لا في التدريب على التدريس وحسب ، بل في ميادين أخرى من ميادين التعلم والتعليم ، كالتدريب على إعداد المواد التعليمية ، وتقويم أداء المعلمين والطلاب ، وإجراء البحوث التطبيقية ، وفيما يلي بيان بأهم مزايا التدريس المصغر وفوائده في برامج تعليم اللغات الأجنبية :
1- حل المشكلات التي تواجه القائمين على برامج إعداد معلمي اللغات الأجنبية ؛ بسبب كثرة المعلمين المتدربين أو نقص المشرفين ، أو عدم توفر فصول دراسية حقيقية لتعليم اللغة الهدف ، أو صعوبة التوفيق بين وقت الدراسة ووقت المتدربين ، أو غياب المادة المطلوب التدرب عليها من برنامج تعليم اللغة الهدف .
2- توفير الوقت والجهد؛ حيث يمكن تدريب المعلمين في التدريس المصغر على عدد كبير من المهارات الضرورية في وقت قصير ، وعدم إهدار الوقت والجهد في التدريب على مهارات قد أتقنها المعلمون من قبل ، كما أن التدريس المصغر يقلل من الحاجة إلى تدريس كل متدرب جميع المهارات ؛ لأن المشاهدة والمناقشة تفيد المشاهد مثلما تفيد المتدرب .
3- تدريب المعلمين على عدد من مهارات التدريس المهمة ، كالدقة في التحضير والتدريس ، وتنظيم الوقت واستغلاله ، واتباع الخطوات المرسومة في خطة التحضير ، واستخدام تقنيات التعليم بطريقة مقننة ومرتبة ، وبخاصة جهاز الفيديو ، بالإضافة إلى استغلال حركات الجسم في التدريس .
4- تدريب المعلمين على إعداد المواد التعليمية وتنظيمها بأنفسهم ؛ لأن التحضير للدرس المصغر غالباً ما يحتاج إلى مادة لغوية جديدة يعدها المتدرب بنفسه ، أو يعدل من المادة التي بين يديه ؛ لتناسب المهارة والوقت المخصص لها .
5- مناقشة المتدرب بعد انتهاء التدريس المصغر مباشرة ، وإمكان تدخل المشرف أثناء أداء المتدرب ، وإعادة التدريس ، وبخاصة في حالة تدريس الزملاء المتدربين .
وتلك أمور يصعب تطبيقها في التدريس الكامل ، وبخاصة في الفصول الحقيقية .
6- اعتماد التدريس المصغر على تحليل مهارات التدريس إلى مهارات جزئية ، مما يساعد على مراعاة الفروق الفردية بين المعلمين ، من خلال تدريبهم على عدد كبير من هذه المهارات التي قد تغفلها برامج التدريب على التدريس الكامل .
7- إتاحة الفرصة للمتدرب لمعرفة جوانب النقص والتفوق لديه في النواحي العلمية والعملية والفنية ، من خلال ما يتلقاه من التغذية والتعزيز من المشرف والزملاء في مرحلة النقد ، مما يتيح له تعديل سلوكه وتطويره قبل دخوله ميدان التدريس حيث لا نقد ولا تغذية ولا تعزيز ، كما أنه يساعد على التقويم الذاتي من خلال مشاهدة المتدرب نفسه على شاشة الفيديو .
8- إتاحة الفرص للمتدربين لتبادل الأدوار بينهم ، والتعرف على مشكلات تعليم اللغة الأجنبية وتعلمها عن قرب، وهي مشكلات المعلم والمتعلم ، وذلك من خلال الجلوس على مقاعد الدراسة ، وتقمص شخصية المتعلم الأجنبي ، والاستماع لمعلم اللغة الأجنبية ، والتفاعل معه، ثم القيام بدور المعلم وهكذا. (هذه الحالة خاصة بالتدريس للزملاء المتدربين .
9- اختبار قدرات المعلمين المتقدمين للعمل في مجال تعليم اللغة للناطقين بغيرها ؛ حيث يستطيع المخْتَبِرُ اختيار المهارة أو المهارات التي يريد اختبار المعلم فيها دون غيرها ، مما يوفر له مزيداً من الوقت والجهد ، كما أن التدريس المصغر مهم لتقويم أداء المعلمين أثناء الخدمة ، واتخاذ القرار المناسب بشأن استمرارهم في العمل أو حاجتهم إلى مزيد من التدريب والتطوير .
10- الاستفادة منه في جمع المادة العلمية في الدراسات اللغوية التطبيقية في مدة أقصر من المدة التي يستغرقها جمع المادة في التدريس الكامل .
فمن خلال التدريس المصغر يستطيع الباحث رصد أثر تدريس مهارة واحدة أو عدد من المهارات على كفاية المتعلم ، كما يستطيع رصد أثر التغذية الراجعة والتعزيز بأنواعه على بناء كفاية المعلم في التدريس ، مع القدرة على ضبط المتغيرات الأخرى .
11- الربط بين النظرية والتطبيق؛ حيث يمكن تطبيق أي نظرية أو مذهب أو طريقة ، تطبيقاً عملياً في حجرة الدرس ، أثناء الشرح أو بعده لمدة قصيرة، إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
أنواع التدريس المصغر .
[right]
* ـ أنواع التدريس المصغر .
* ـ يختلف التدريس المصغر باختلاف البرنامج الذي يطبق من خلاله ، والهدف من التدريب ، وطبيعة المهارة أو المهمة المراد التدرب عليها ، ومستوى المتدربين ، ويمكن حصر هذه التقسيمات في الأنواع التالية :
1- التدريب المبكر (على التدريس المصغر) Pre-service Training in Microteaching : وهو التدريس المصغر الذي يبدأ التدرب عليه أثناء الدراسة ، أي قبل تخرج الطالب وممارسته مهنة التدريس في أي مجال من المجالات .
وهذا النوع يتطلب من الأستاذ المشرف اهتماماً بجميع مهارات التدريس العامة والخاصة ؛ للتأكد من قدرة الطالب على التدريس .
2- التدريب أثناء الخدمة (على التدريس المصغر) In-service Training in Microteaching : وهذا النوع يشمل المعلمين الذين يمارسون التدريس ويتلقون – في الوقت نفسه – تدريباً على مهارات خاصة لم يتدربوا عليها من قبل ، ومن هذا القبيل تدريب معلمي اللغة العربية الملتحقين في برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها ، الذين تخرجوا في أقسام اللغة العربية ومارسوا تدريسها للناطقين بها .
3- التدريس المصغر المستمر Continuous Microteaching : يبدأ هذا النوع من التدريس في مراحل مبكرة من البرنامج ، ويستمر مع الطالب حتى تخرجه .
وهذا النوع غالباً ما يرتبط بمقررات ومواد تقدم فيها نظريات ومذاهب ، يتطلب فهمها تطبيقاً عملياً وممارسة فعلية للتدريس في قاعة الدرس ، تحت إشراف أستاذ المادة .
من ذلك مثلاً التدرب على تدريس اللغة الثانية أو الأجنبية لأهداف خاصة Teaching Foreign/Second Language for Specific Purposes، كتدريس اللغة العربية لغة ثانية من خلال محتوى مواد العلوم الشرعية؛ تطبيقاً لمبدأ تدريس اللغة من خلال المحتوى Content-Based Instruction، أحد المداخل المقترحة لتدريس اللغة الثانية لأهداف خاصة .
ومن ذلك التمثيل التطبيقي لطريقة من طرائق تدريس اللغات الأجنبية ، كالطريقة الاتصالية مثلاً ، أو تطبيق أنشطة من أنشطتها في موقف اتصالي معين ، أثناء شرحها داخل الفصل ؛ لمزيد من التوضيح .
4- التدريس المصغر الختامي Final Microteaching : وهو التدريس الذي يقوم المعلم المتدرب بأدائه في السنة النهائية أو الفصل الأخير من البرنامج ، ويكون مركزاً على المقررات الأساسية ، كمقرر تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها في برامج إعداد معلمي اللغة العربية مثلاً ، ومقرر تدريس العلوم الشرعية أو السيرة النبوية للناطقين بغير العربية .. وقد يدخل التدريس المصغر الاختباري ضمن هذا النوع .
5- التدريس المصغر الموجه Directed Microteaching : هذا النوع من التدريس يشمل أنماطاً موجهة من التدريس المصغر ، منها التدريس المصغر النموذجي Modeled Microteaching ، وهو الذي يقدم فيه المشرف لطلابه المعلمين أنموذجاً للتدريس المصغر ، ويطلب منهم أن يحذوا حذوه ، وهذا النوع غالباً ما يطبق في برامج إعداد معلمي اللغات الأجنبية الذين لما يمارسوا هذه المهنة بعد Pre-Service Teachers. ومنها التدريس المعتمد على طريقة معينة من طرائق تدريس اللغات الأجنبية المعروفة ؛ كالطريقة السمعية الشفهية ، أو الطريقة الاتصالية ، وقد ينطلق من مذهب من مذاهب تعليم اللغات الأجنبية ؛ كالمذهب السمعي الشفهي ، أو المذهب الاتصالي ، أو المذهب المعرفي .
ومنها التدريس المصغر الذي يعتمد فيه المتدرب على كتاب مقرر في البرنامج ، ككتاب القراءة أو كتاب القواعد أو كتاب التعبير مثلاً ؛ حيث يختار جزءاً من درس من دروس الكتاب المقرر ، ويحدد المهارة التي سوف يتدرب عليها ، والإجراءات والأنشطة التي سوف يقوم بها ، ثم يعد درسه ويقدمه بناء على ذلك ، وفي ضوء الطريقة والإجراءات المحددة في دليل المعلم .
6- التدريس المصغر الحر (غير الموجه) Undirected Microteaching : هذا النوع من التدريس غالباً ما يقابل بالنوع السابق (الموجه) ، ويهدف إلى بناء الكفاية التدريسية ، أو التأكد منها لدى المعلم ، في إعداد المواد التعليمية وتقديم الدروس وتقويم أداء المتعلمين ، من غير ارتباط بنظرية أو مذهب أو طريقة أو أنموذج .
وغالباً ما يمارس هذا النوع من التدريس المصغر في البرامج الختامية أو الاختبارية .. وقد يمارس في بداية البرنامج للتأكد من قدرة المتدرب وسيطرته على المهارات الأساسية العامة في التدريس ، أو يقوم به المتمرسون من المعلمين بهدف التدرب على إعداد المواد التعليمية وتقديمها من خلال التدريس المصغر ، أو لأهداف المناقشة والتحليل أو البحث العلمي .
7- التدريس المصغر العام General Microteaching : يهتم هذا النوع بالمهارات الأساسية التي تتطلبها مهنة التدريس بوجه عام ، بصرف النظر عن طبيعة التخصص ، ومواد التدريس ، ومستوى الطلاب ؛ لأن الهدف منه التأكد من قدرة المتدرب على ممارسة هذه المهنة .
وغالباً ما يكون هذا النوع من التدريس مقرراً أو ضمن مقرر من المقررات الإلزامية للجامعة أو الكلية، وأحد متطلبات التخرج فيها ، وغالباً ما تقوم كليات التربية بتنظيم هذا النوع من التدريب ، ويشرف عليه تربويون مختصون في التدريب الميداني .
في هذا النوع من التدريس يتدرب المعلمون على عدد من المهارات الأساسية ، مثل : إثارة انتباه الطلاب للدرس الجديد ، ربط معلوماتهم السابقة بالمعلومات الجديدة ، تنظيم الوقت ، استخدام تقنيات التعليم ، إدارة الحوار بين الطلاب وتوزيع الأدوار بينهم ، التحرك داخل الفصل ، رفع الصوت وخفضه وتغيير النغمة حسب الحاجة ، حركات اليدين وقسمات الوجه وتوزيع النظرات بين الطلاب أثناء الشرح ، ملاحظة الفروق الفردية بين الطلاب ومراعاتها ، أسلوب طرح السؤال على الطلاب وتوقيته، طريقة الإجابة عن أسئلة الطلاب واستفساراتهم ، أساليب تصويب أخطاء الطلاب، ونحو ذلك .
8- التدريس المصغر الخاص Specific Microteaching : هذا النوع يهتم بالتدريب على المهارات الخاصة بمجال معين من مجالات التعلم والتعليم ؛ كتعليم اللغات الأجنبية ، والرياضيات ، والعلوم الطبيعية ، والعلوم الاجتماعية ، لمجموعة معينة من الطلاب المعلمين المتخصصين في مجال من هذه المجالات ، في كلية أو قسم أو برنامج خاص .
وقد يكون التدريب موجهاً إلى فئة من الطلاب ممن لديهم ضعف أكاديمي أو نقص في التدرب على مهارات معينة .
الخلفية التاريخية والنظرية للتدريس المصغر .
[right]
* ـ الخلفية التاريخية والنظرية للتدريس المصغر .
* ـ ظهر التدريس المصغر في أوائل الستينيات من القرن العشرين، عندما كانت تطبيقات الاتجاه السلوكي في علم النفس Behavioral Psychology هي المسيطرة على مناهج التعليم، بما فيها مناهج تعليم اللغات الأجنبية .
وقد بدأ تطبيق التدريس المصغر في العلوم التطبيقية في جامعة ستانفورد Stanford University على يد دوايت ألن Dwight Allen وزملائه عام 1961م ، وعرف بمذهب ستانفورد Stanford Approach، ثم طبق في جامعة بركلي في كاليفورنيا University of California (Berkeley) ، وقد عرف هذا النمط من التدريس آنذاك بنموذج العلم التطبيقي The Applied Science Model، ثم طبق بعد ذلك على نطاق واسع في تدريب المهندسين والعاملين في المصانع وبرامج تدريب الجيش الأمريكي .
* ـ وقد شاع استخدام هذا النمط من التدريس في برامج التربية العملية للمعلمين في التعليم العام في الجامعات الأمريكية منذ ذلك التاريخ .
ثم استخدم في بعض الجامعات الأوربية ، وبخاصة البريطانية منها ، في بداية السبعينيات الميلادية ، حيث استحدثت أنماط وأساليب جديدة ، بل إن الجامعات البريطانية أقرت التدريس المصغر واعتمدته جزءاً أساسياً في عمليات إعداد المعلمين .
ثم انتقل هذا النمط من التدريس إلى العالم العربي في منتصف السبعينيات الميلادية ، وطبق في كثير من جامعاته وكلياته ، ونقلت بعض الكتب والدراسات الأجنبية إلى اللغة العربية ، ثم ألفت كتب أخرى باللغة العربية نفسها ، كما نشرت بعض البحوث والدراسات وعقدت ندوات في مجال تدريب المعلمين ، تناول بعضها جوانب من التدريس المصغر .
* ـ لقد قام هذا النموذج من التدريس المصغر على أساس من المفهوم السلوكي للتعلم من خلال تعديل السلوك ، كما هو عند رائد التعليم المبرمج ف سكنر B. F. Skinner، الذي يؤكد على أهمية التغذية الراجعة Feedback والتعزيز الفوري Immediate Reinforcement في تعديل السلوك .
وبناء على ذلك ؛ فإن المتدرب يحتفظ بالسلوك الصحيح ، عندما يلقى تعزيزاً إيجابياً من أستاذه أو من الحضور ، ويبتعد عن السلوك الخاطئ بناء على التعزيز السلبي ، ويحسن من أدائه تدريجياً حتى يصل إلى الأداء المطلوب ، ولكي يضمن المتدرب الاستفادة من التغذية الراجعة والتعزيز لتحسين أدائه ؛ ينبغي أن تكون المهمة أو المهارة التي يتدرب عليها قصيرة قدر الإمكان .
من هنا جاءت فكرة تقسيم الدرس إلى أجزاء ، ثم تقسيم كل جزء إلى مهارات أو مهمات قصيرة ، يمكن التدرب عليها مرات عديدة حتى يتم إتقانها .
* ـ غير أن هذا النموذج العلمي التطبيقي لم يكن مقبولاً بدرجة كافية لدى المهتمين بتعليم اللغات الأجنبية ؛ لأن تعليم اللغة وتعلمها عملية معقدة ومتداخلة ، ينبغي أن ينظر إليها بوصفها وحدة متكاملة ، لا ينفصل بعضها عن البعض الآخر .
بل يرى بعض الباحثين أن هذا النموذج ، كما هو لدى جامعة ستانفورد ، لم يطبق في برامج تعليم اللغات الأجنبية على نطاق واسع .
ولعل السبب في هذا شعور اللغويين التطبيقيين بأن تعليم اللغة يختلف عن تعليم مهارة منفصلة من مهارات العلوم الطبيعية أو التصميم الهندسي أو التصنيع أو التشغيل ، أو السلوك العسكري الموجه توجيهاً آلياً في كثير من الحالات .
* ـ وبناء على ذلك ؛ طبق اللغويون التطبيقيون نموذجاً آخر عرف بالنموذج الانعكاسي التأملي The Reflective Model، يقوم على فكرة أن التدريس المصغر ينبغي النظر إليه بوصفه سلوكاً مهنياً معرفياً يعكس كفاية المعلم ، لا سلوكاً آلياً ناتجاً عن المحاولة والخطأ وتعديل السلوك جزئياً نتيجة التغذية الراجعة والتعزيز .
وقد استفاد أصحاب هذا النموذج من آراء عالم النفس الروسي فيجوتسكي Vygotsky ونظراته السلوكية الجديدة حول التدريس بوجه عام والتدريس المصغر بوجه خاص ، تلك النظرات التي تربط التدريس بكل من البيئة الاجتماعية والثقافة والمعرفة .
يرى فيجوتسكي أن التدريس المصغر انعكاس طبيعي للتفاعل بين العوامل التاريخية والثقافية والمعرفية لبيئة التعلم .
فالتدريس المصغر – في ضوء هذه النظرة - ليس سلوكاً آلياً ولا عملية إبداعية في جميع الأحوال والظروف ، وإنما يعتمد على البيئة التي تلقى فيها المعلم ثقافته والأسلوب الذي نشأ عليه وتلقى فيه تدريبه .
* ـ ومنذ نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن العشرين ، بدأ التدريس المصغر يظهر من جديد ، لكن بصورة غير الصورة السلوكية التقليدية التي كان عليها في الستينيات والسبعينيات .
فقد بدأ اللغويون التطبيقيون يطبقونه من خلال الاتجاه المعرفي The Cognitive Approach انطلاقاً من المقولة التي ترى أن تغيير سلوك الفرد يتطلب التأثير على تفكيره واتجاهه نحو هذا السلوك أولاً ، ثم توجيهه إلى السلوك المطلوب ثانياً .
وبناء على ذلك ؛ فإن التدريس المصغر يمكن أن يكون وسيلة لتغيير الاتجاه نحو أساليب التعلم والتعليم ، وبالتالي بناء اتجاه معين نحو أساليب التدريس .
وأياً كان الأمر ، فقد طبق التدريس المصغر ، منذ نشأته في الستينيات من القرن العشرين حتى الآن ، في برامج تعليم اللغات الأجنبية في أنحاء مختلفة من العالم ، وبخاصة في أمريكا وبريطانيا ، كما أنه لا يزال مطبقاً في اليابان بشكل واسع .
بيد أن أوج انتشاره في الدول الغربية كان في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين ؛ حيث أشارت إحدى الدراسات التي أجريت في نهاية الثمانينيات إلى أن ما يربو على ثمانين بالمائة من برامج تدريب معلمي اللغات الأجنبية في الغرب في ذلك الوقت كان يعتمد على التدريس المصغر .. وكان التدريس المصغر في بداية الأمر مقصوراً على تدريب الطلاب المعلمين قبل تخرجهم ، أي قبل العمل في التدريس Pre-service Training، ثم طبق في برامج تطوير مهارات المعلمين الذين هم على رأس العمل In-service Training، بعد أن تبين أن له فوائد في التدريب على مهارات جديدة، وتطوير المهارات السابقة .
* ـ وقد انتُقِدت بعضُ برامج التدريس المصغر لاعتمادها على التدريب الآلي الذي يعد تطبيقاً للاتجاه السلوكي التقليدي في علم النفس عندما كان مهيمناً على برامج التعليم في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين .
ولا شك في أن التعليم بوجه عام ، وتدريب المعلمين بوجه خاص ، تدريباً آلياً وفقاً للنظرة السلوكية التقليدية فقط ، منهج غير مقبول ؛ لأن التعلم والتعليم سلوك وإبداع في آن واحد .
ولعل ارتباط التدريس المصغر أثناء نشأته بالاتجاهات السلوكية التقليدية كان سبباً في النفور منه لدى بعض التربويين ومعلمي اللغات الأجنبية .
وقد انتقد التدريس المصغر أيضاً لكونه عملية مصنوعة في كثير من الحالات ، وبخاصة عندما يكون الحضور من زملاء المعلم المتدرب .
* ـ على الرغم من ذلك ، فإن النماذج المطورة التي تلت المراحل الأولى جيدة جداً وصالحة للتطبيق ، وبخاصة في برامج تعليم اللغات الأجنبية ، في ضوء الاتجاه المعرفي الذي ساهم أيضاً في التقليل من الخطوات والمراحل الآلية غير الضرورية ، والمرتبطة بالنظرة السلوكية التقليدية نحو التعلم .
ولا شك في أن معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها ، في ضوء الظروف التي أشرنا إليها في موضع سابق ، في حاجة إلى التدريس المصغر وتطوير نماذج منه تتفق مع الاتجاهات الحديثة في تعليم اللغات الأجنبية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
1. جورج براون. التدريس المصغر. ترجمة محمد رضا البغدادي. دار الفكر العربي. 1998
2. Marie Cécile Wagner. Pratique du micro-enseignement. De Boeck université 1988.